يعود شب جديد والناظر بألبومهما الجديد "سلطان". يضم الألبوم 14 أغنية، يكشف فيها شب جديد عن جوانب أعمق في شخصيته وأسلوب أكثر نضجًا، بينما يقدم الناظر موسيقى متطورة  بتأثيرات واسعة من أنواع موسيقية مختلفة، مع الحفاظ على هويته الصوتية الفريدة التي ظهرت بوضوح في نهاية العقد الماضي، من خلال إنتاجاته شبه الحصرية لشب جديد، والتي بلغت ذروتها في ألبوم "سندباد الورد" الذي .وضع الثنائي الفلسطيني على خارطة المشهد الموسيقي العربي ودفع بصوت الهيب هوب في المنطقة إلى آفاق جديدة

كشف الناظر وشب جديد عن صوت أكثر تطوراً وتعقيداً في الأغاني المنفردة التي روجت إلى الألبوم، وهما 'نشيد' و 'في صوات'. حملت التراكات طابع غنائي وبنية صوتية داكنة عكست تطور الثنائي، كلمات شب جديد أتت أكثر بلاغة ونضجاً واحتوت على مجازات ذكية وبارات ضبابية المعنى -كعادته- وقابلة للعديد من التفسيرات.

أتي 'سلطان' أخيراً، ومنذ اللحظات الأولى، يلعب الناظر دور البطولة في الكولاج الصوتي الذي يركبه بحرفية عالية. يوظف عينات من أغاني وأفلام تدور حول كلمة "سلطان". لتأتي بعد ذلك المقدمة، التي تُلقي بنا في قلب المحيط الصوتي للناظر، حاملة بصمته الإنتاجية المميزة، داخل بيئة صوتية أثيرية ذات تركيب ثابت، وخالية من صوت شب جديد.

يقدم شب جديد نفسه في ثالث تراكات الألبوم "فين الدوا"، تأتي كلماته بنبرة كئيبة وتأملية، نابعة من تجربته الشعورية ومنظوره الشخصي. عبر الألبوم يبدو شب جديد غارقاً في ذاته، وتعكس كلماته عن تناقضات صادقة وتأملات ذاتية، ويأتي بعضها بمثابة تصريحات مثل "أنني على الحق أقاتل، حتى لو كان قولي باطل" وبعضها يحتوي على سرد بنبرة تحتية ساخرة، على سبيل المثال يشير إلى أبو عبيدة "بالملثم" ثم يعقب "خطاب عنيف الجماهير تقوم مولعة معه، تنفر نفرًا في وجه العدو لتقيم القيامة".

التركيب الصوتي الثقيل من الناظر يخلق حالة من الغموض والكآبة تهيمن على جو الألبوم ككل، بتوظيف عناصر صوتية انتقائية ودمج تأثيرات موسيقية مختلفة، من الدرم اند بيس إلى النيو ويف والبوست بانك، يصهر الناظر تلك التأثيرات لتشكيل هوية صوتية متماسكة للألبوم. يتخطى الناظر كونه فقط "بروديوسر" بل يأتي دوره كمساهم أساسي في الرؤية الفنية للعمل. نتبين تلك التركيبات غير التقليدية للناظر في تراك "سلطان"، فيبدأ التراك بوتريات هادئة في تتابع للحالة المظلمة لتراك "فين الدوا"، ثم تقتحمها إيقاعات وعناصر موسيقى درام اند بايس ثقيلة من جانبي الستيريو، مع دخول شب جديد بفيرس من منتصف جملة "فا أعيد وأغني". يلقي شب جديد باراته بسرعه في مواكبة لايقاعات الناظر السريعة، فيقدم واحدًا من أفضل أداءات الألبوم.

تعزز كلمات وإلقاء شب جديد الحالة الداكنة والمظلمة للألبوم، حيث تأتي كلماته غير واضحة ومثيرة للتأمل، ومحاولة تفسيرها ليس بالأمر السهل، فتقع كلماته دائماً في منطقة ضبابية حيث الوضوح بعيد المنال، وكل كلمة تبدو وكأنها إشارة مجزأة من حالته الداخلية. رغم غرابة أسلوبه التعبيري، إلا أنه يسمح له بتجاوز فلتر التفكير التقليدي، فنحن عادةً ما نقوم بتحويل تعقيداتنا وأفكارنا الداخلية إلى عبارات مفهومة بسهولة، يمتلك شب جديد تلك القدرة على ترجمة الأفكار الخام، مهما كانت غير مريحة للمتلقي، وتكشف حقيقة تعقيداته الداخلية ورؤيته الفنية.

يشهد الألبوم تعاونًا وحيدًا مع رياضيات في تراك 'رد سريع'، تعاون شب جديد سابقا مع رياضيات في تراك 'في حرب'، وهذه المرة ينضم إليهم الناظر في "رد سريع". يشهد التراك سيطرة نوتة مؤرقة من الناظر على البيت، فيما يقدم شب جديد سرد غير واضح عبر البارات بتدفقات باردة وتلاعبات صوتية تضفي ديناميكية لأدائه، بينما يقدم رياضيات ڤيرس مصقول معبأ بتلاعبات لفظية ذكية.

يبتعد شب جديد متعمداً عن النماذج المألوفة للبطل أو الفيلسوف أو الواعظ، فلا يردد أخبار الصحف حول ما يحدث في فلسطين، ولا يندرج بشكل نمطي في الصورة النمطية للفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال، وهذا التخريب المتعمد للصورة النمطية هو ما يصدم المستمعين في كثير من الأحيان. فعندما يعلن، "مش صوت الحرية، أنا صوت الاحتلال" يأتي صادماً لوهلة، ولكن في واقعه، هو يعيش تحت احتلال غاشم، ينصاع لقواعده، بل يملك حتى رقم هاتف إسرائيلي. هذا الصراع الداخلي، التصادم بين التوقعات والأصالة، هو الذي يتردد صداه عبر الألبوم.

شب جديد ليس مثل "مقاطعة" الذي يقدم تعليقًا اجتماعيًا وسياسيًا بليغًا ومعقداً، ولا هو مثل "الراس" الذي يمكن أن يقدم تحليلًا أنثروبولوجيًا لما يحدث في الأخبار، وذلك يضع شب جديد في منطقة ومسار خاص به، يتحدى من خلاله المفاهيم التقليدية لما يجب أن يكون عليه "الفنان الفلسطيني". سطور وبارات شب جديد التي تبدو أحياناً عدمية، والتي غالبًا ما تصور شعورًا بالهزيمة أو اللامبالاة، هي انعكاس قوي للتجارب الحية لأجيال نشأت تحت الاحتلال، فعاشت بين صراعات يومية في نقاط التفتيش وخطر دائم للقصف وخيانة "الحلفاء العرب"، بينما يشهدون تآكل القضية الفلسطينية تدريجيًا. مشاعر شب جديد في الألبوم عبارة عن لوحة من التناقضات، تتأرجح بين اليأس والفخر، الأمل والشعور بالهزيمة، الإحساس بتحقيق الذات والتأمل في الوضع الكارثي لبلاده وللمنطقة العربية. تلك التناقضات هي التي تغذي سطوره وكلماته عبر الألبوم، وأسلوبه في ترجمة مشاعره وأفكاره بشكل خام، فيقدم لنا واحدة من أكثر تجارب الهيب هوب العربي أصالة وصدقاً.