Tuesday October 14th, 2025
Download The SceneNow App
Copied

"الفرعي يُعيد تعريف الكلاسيك راب في ألبومه "راب شرق النهر

برغم تطور وتغير چُنرة الراب في الإلقاء والموسيقى، يعود الفرعي ليذكرنا بالراب الكلاسيكي في ألبوم راب شرق النهر

Mohamed Adel
"الفرعي يُعيد تعريف الكلاسيك راب في ألبومه "راب شرق النهر

منذ البداية، كان الفرعي واحدًا من أبرز الأصوات التي حافظت على مفهوم “الراب الحقيقي” في المنطقة. ليس فقط من ناحية الإلقاء أو الوزن، بل أيضًا في الطريقة التي يرى بها الموسيقى كوسيلة للتعبير، لا للتسلية.

من عمّان، ومن مشهد ظلّ دائمًا بعيدًا عن الأضواء الكبيرة، بنى الفرعي صوته حول فكرة الأرض والهُوية، حول الشارع العربي الذي يتحدث بلغة صريحة ومليئة بالصدق أكثر من التلميع.

اختياره لاسم الألبوم “راب شرق النهر” لم يكن صدفة أو اختيارًا عشوائيًا؛ بل هو إعلان هوية بحد ذاته. “شرق النهر” في معناها الجغرافي تشير إلى الأردن، لكن في معناها الرمزي تمثل المكان الذي ما زال متمسكًا بجذوره القديمة، وبالمبادئ التي انطلق منها الراب العربي قبل أن تتحوّل الموسيقى إلى سباق “من يقدّم الصوت الأغرب أو الـflow الأسرع”.

ورغم تمسكه بالكلاسيكية، لم يكن الفرعي وحيدًا في هذه التجربة، إذ تعاون في الألبوم مع سبعة فنانين مختلفين في سبعة تراكات من أصل عشرة، في خطوة تعكس أنه لا يبحث فقط عن “الحنين”، بل يفتح مساحة حوار بين الأجيال والمناطق.

كل تعاون كان بمثابة توازن واضح بين احترام الجذور وتجديد الصوت، وكأن كل تراك يجمع “شرق النهر” بمدن أخرى في الوطن العربي، ليرسم خريطة صوتية واحدة تضم اللهجات والأنماط كافة.

اختار الفرعي أن يشارك الميكروفون لا لتخفيف الحمل، بل ليؤكد أن الراب في جوهره صوت جماعي، لا فردي، وأن “المشهد” لن ينمو إذا غنّى كل فنان بمفرده.

الصوت والاتجاه الموسيقي

منذ أول ضربة Drum في “راب شرق النهر”، تدرك أنك أمام تجربة صوتها يعود بالزمن، لا ألبوم يحاول تقليد الماضي. الفرعي هنا لا يسعى إلى تقديم “ستايل قديم”، بل يعمل وفق فلسفة الموسيقى التي بُني عليها الراب منذ بداياته: إيقاع بسيط، خام، حقيقي، ومحمّل بطاقة الكلمة لا بهرجة الموسيقى.

الإنتاج في الألبوم قائم على روح الـBoom Bap، النمط الذي يعتمد على عينات (samples) من موسيقى قديمة وغرائب صوتية تتحول إلى إيقاع نابض بالحياة.

الأصوات هنا لا تلمع، بل تحمل خشونة مقصودة، كأنها خرجت من ستوديو تحت الأرض لا من استوديوهات فاخرة. الـKick والـSnare يعودان إلى مركز المشهد، والـBass يضرب بوضوح بعد أن كان قد اختفى وسط المؤثرات الإلكترونية.

ما يميز “راب شرق النهر” أن الفرعي استخدم أدوات الإنتاج الحديثة بعقلية قديمة، فعلى الرغم من وجود برامج مثل Ableton وFL Studio التي سهّلت عملية الإنتاج، إلا أنه استخدمها كأدوات توثيق لا زينة.

في كل تراك تقريبًا، يظهر وعي موسيقي بأن البساطة هي القوة. لا توجد طبقات متعددة (Layers) ولا أصوات تتسابق على أذنك، بل كل عنصر محسوب بدقة لخدمة الـFlow والكلمة. الموسيقى هنا ليست خلفية، بل شريك حقيقي يتحدث مع الفرعي ويمنح صوته مساحة ليصبح جزءًا من التراك، لا مجرد أداء مصاحب.

حتى الفنانين الذين شاركوه التراكات، التزموا بنفس الروح: لا  Auto-Tune، لا محاولة لتلميع الإيقاع، الجميع يسير على خط الكلاسيكية ذاته، وهو ما جعل الألبوم بأكمله يبدو كأنه جلسة راب جماعية من زمن آخر، حيث الكلمة أهم من الصوت، والرسالة أعمق من اللحن.

الكتابة والإلقاء

في “راب شرق النهر”، الفرعي لا يطارد الـPunchlines أو الـMetaphors الزخرفية التي تستهوي الموجة الجديدة، بل يعود إلى الـRaw Message — الكلام القادم من الشارع، من التجربة، من التناقضات اليومية التي يعيشها الفنان حين يرى المشهد يتغير من حوله. الكتابة هنا .أقرب إلى أسلوب التوثيق؛ فكل تراك يبدو شهادة من زمن معين، يتحدث عن التغيير، والانتماء، والغربة التي قد يعيشها أي فنان بدأ من الصفر

ورغم ذلك، يبقى في كلماته وعي اجتماعي وسياسي خفيف الظل — ليس خطابًا مباشرًا، بل حاضرًا بين السطور، في اختيار المفردات وفي هدوء إلقائه الذي يقول: “لست بحاجة لأن أصرخ كي أُسمَع”.

الإلقاء عند الفرعي عنصر مميز للغاية؛ يؤدي كلماته كأنه يروي حكاية، بنَفَس الراوي لا المغني. لا استعراض صوتيًا ولا محاولات Interflow مفتعلة، لكنه يمتلك وزنًا داخليًا يجعل كل بيت يُحَسّ.

أما في طريقته في الإلقاء، فهناك نضج واضح نادر في مشهد الراب اليوم؛ الفرعي لا يحاول إثبات نفسه، بل يعرف مكانه، ويظهر ذلك في الهدوء والثقة التي يقول بها كل سطر. وربما لهذا السبب يظل صوته عالقًا في الذاكرة بعد انتهاء التراك — لأنه يحكي أكثر مما يغني.

في النهاية، “راب شرق النهر” ليس مجرد ألبوم كلاسيكي جديد، بل بيان هوية. تذكير بصوت الشارع الأول، وبالفن الذي بُني على الصدق قبل أي شيء. في زمن يركض فيه الجميع نحو الجديد، اختار الفرعي أن يتوقف قليلًا ليذكّرنا بالأصل.

×

Be the first to know

Download

The SceneNow App
×