أصدر "الراس" الرابر اللبناني ألبومه الرابع "بعد الهزيمة"، بعد ألبومين هما كشف المحجوب و آدم داروين والبطريق في عام 2014 ثم البوم "إدارة التوحش" في سنة 2016 من غير ما نحسب ال EP اللي نزله في سنة 2017 بعنوان"الرياضة والأدب" وكان المفترض إن "بعد الهزيمة" يكون أكثر من 13 تراك على حسب الراس: "عملت حوالي 30 تراك واصطفيت منهم ال13 دول". الألبوم هو صناعة منزلية 100% بمعنى إن كل صوت تسمعه تم إنتاجه من "الراس" وفي منزل "الراس" فقط.
"دي طريقتي وقدرت من خلالها ألاقي سكة الخروج من الإحساس التام بالهزيمة اللي نحن وارثينها ومش عارفين غير أننا نعيد إنتاجها، وبشكل عام بشوف إننا قادرين نكسر التكرار في الراب، التكرار مسألة جوهرية ولو تستثمر صح تبقى بناءة".
في ألبومه الجديد "بعد الهزيمة"، بيعالج "الراس" فكرة الهزيمة من وجهة نظر وازاي قدر يتحرر من فكرة الهزيمة المستحوذة على المواطن العربي أو الشعوب المنكسرة بشكل عام، بمعنى آخر، بيطرح "الراس" المشكلة وأسبابها والعلاج على طول خط الألبوم، بيبدأ الألبوم بإنترو SEIZURE SALAD اللي بيطرح فيه تساؤلات وبيفكر المستمع بالأحداث اللي قد تكون بالنسبة للمواطن العربي هزيمة، بس بالنسبة للراس هي أحداث ومجرد محاولات للخروج من حالة لحالة.
"ده موروث له أسبابه ومحركاته اللي قادرين نفهمها، هي خداع لأن ما فيش حاجة حتمية اسمها الهزيمة غير لما نتقبل تماما إننا مهزومين ونبطل نحاول، لما نحاول هنصطدم بحاجات كتير، وهنشعر بإنها حلقات بتدور بدون جدوى، بس دي خدعة، عشان ما فيش حاجة ثابتة ومفيش حاجة مالهاش تبعات، وعشان كل مرة بنرجع للتكرار بنرجع له بطريقة مختلفة وبذات مختلفة"
يبدأ الألبوم بأول تراك "جاري يا حمّودة" وهي أول مرحلة يحاول "الراس" فيها يناقش فكرة "الهزيمة" وماهيتها وازاي فكرة الهزيمة مستحوذة على حمودة ومستسلم ليها. عرف "الراس" يوصل فكرة الهزيمة بشكل غير مباشر بدل الاعتماد على الشكل المباشر في الكتابة، كمان ركز إن الألبوم يظهر بشكل ال storytelling.
يستمر الألبوم في مرحلة الهزيمة و تتصاعد حدة الفكرة في تراك "طرابلس 97" عشان توصل لشدتها في تراك "حديث الحمامة" اللي يعتبر مكمل لتراك طرابلس 97 اللي الراس عايز فيه يرسخ ويصور الهزيمة بشكلها القبيح المعترف بيه للناس، من خلال التذكير بالأحداث ومأساة المشهد اللبناني بشكل خاص، كل ده و هو بيحكي القصة على موسيقى تشبه موسيقى مناسبة لطريقة سرد القصة، من غير أي عنف موسيقي، بالعكس، كان في انطباع إنك قاعد في بار وبتسمع حد بيحكي تاريخ لبنان وبينهي التراك بجملة "حمام بيخري على المدينة" والمقصود بيها حمام السلام، عشان يقدر بعد كده يتكلم عن قصة الحمامة دي في تراك "حديث الحمامة".
في تراك "حديث الحمامة" بيوصلك "الراس" الإحساس بالهزيمة من خلال حديثه مع حمامة السلام اللي وجودها في حد ذاته دليل على الهزيمة، عشان هي بتمثل أماكن الصراعات. الإبداع في اختيار التسلسل القصصي اللي قدر يخلقه "الراس" لرواية قصته في تخليه عن فكرة الهزيمة، من أول قصة المواطن حمودة وأحداث المنطقة، وصولا لحمامة السلام.
الابتهالات هي الصفاء النفسي، باعتبار إنها أقرب صوت للدين اللي يبمثل الراحة النفسية اللي بيقدر يوصلها الإنسان، ده اللي قدر يخلقه "الراس" في أغنية "بلال" من خلال اختيار اسم الأغنية والشخصية المعبرة عن مرحلة الصمود أمام الهزيمة
"البذور تبدأ فعلا في أغنية بلال، لما الصبر والصمود يترسخ بشكل زيارة بلال نفسه، وبرضه صوتيًا في بلال بنخرج من الصوت النوستالجي ونخش في البايس العنيف"
المميز في أغنية "بلال" اللازمة اللي قرر إنه يغنيها بصوت قريب من طريقة الابتهال نوعا ما، عشان يقدر ينقل الألبوم لصوت جديد عن الجزء الأول ويتخلص من مرحلة الهزيمة ويقول إن مهما حصل من أحداث تعتبر هزائم، ده مش معناه إنها دائمة، دي مرحلة نقدر نعديها بالصبر والصمود. "الراس" بياخد بلال كرمز الصمود في الدين الإسلامي، مع استخدم كلمة سيدنا بلال بن رباح الشهيرة "أحدٌ أحد" في نهاية التراك.
ورغم العنف والتوتر الموسيقي في مرحلة "بلال" في النص الأول من الأغنية، عشان أي تغيير لازم يقابله نوع من التوتر قبل الدخول في المرحلة الجديدة اللي قدر "الراس" يمهدلها عشان يدخل في أغنية "الرقية الشرعية"، وهي مرحلة الخروج من الهزيمة من خلال الصبر والصمود، عشان يقدر يوصل لأول مرحلة في ما بعد الهزيمة في أغنية "حامل الأسفار".
الألبوم وجبة موسيقية دسمة والوجبة دي بتكمل بعضها، من أول اسم الأغنية للكلمات لحد الموسيقى المستخدمة، بما فيها السامبلز اللي اختارها عشان يقدر يوظفها في مراحل الخروج من فكرة الهزيمة. كل مرحلة في الصوت بتتميز عن اللي قبلها، يعني مرحلة الهزيمة في بداية الألبوم كانت معتمدة على الصوت الغربي المعتمد على صوت الساكس والبيانو. بعد كده عشان يقدر يخرج من فكرة الهزيمة دي، لازم يكون الصوت في العربي اللي هو مع بداية تراك "الرقية الشرعية". أما في تراك "حامل الأسفار" استخدم "الراس" موسيقى "ليلة القبض على فاطمة" للعبقري عمر خيرت، ودي موسيقى مناسبة لفكرة حامل الأسفار اللي جاي من الماضي للحاضر.
"حامل الأسفار شخصية متخيلة، وكأن فيه طرف مسؤول عن الحفاظ على استمرارية أفكارنا وقيمنا رغم الهزايم والتعب، فعشان كده بعد ما ابتهل له، بلاقي نفسي فاهم إيه المشكلة في التخلي عن الصراع بعد أول هزيمة"
"خزامي حالة مناجاة واغتسال.. توجه للكون وتوحد معاه"
أغنية "الخزامي" لما سمعتها وحاولت اربط بينها وبين مراحل وحالة الألبوم، كنت مضطر أحاول أفهم إيه اللي قصده باسم التراك، خصوصًا إن ده نبات مطهر ومخفف للألم وهو مرحلة انتقالية للشفاء، يعني أول مرحلة في مراحل بعد الهزيمة. في التراك ده بيتجرد تماماً "الراس" من أي قوالب خاصة بالراب وبيوصل لأعلى مراحل الصفاء النفسي.
"بعد كدا سوبر عادي السوبر هيرو المتميز بإنه سوبر عادي بس في عاديته بيقدر يعمل معجزات. الهاردكور وتسمية التراك كانت للسخرية من البراندينغ اللي بيتهيج على الحاجات الستريت وهو ما يعرفش حاجة عنها. واحنا فعلا سجلناه وان تايك وبدون باكينغ فوكالز أو ادليبز ودي واحدة من المعارك اللي ترجعلها بعدما تدرك قوتك وترفض الانهزام زي معركة الراب والفلوس والإيمان والمجتمع".
الراس يقصد إن مفيش حاجة اسمها الهزيمة وإن مهما مر المواطن العربي بهزائم فهو يقدر يقاوم عشان هو سوبر هيرو، رغم انه سوبر عادي. الفكرة دي محتاجة إن التراك يكون صاخب ايقاعياً عشان يصور مشهد المقاومة تجاه فكرة الهزيمة.
"أيوة، نوع من سكة تنطلق من حالة الانهزام والانكسار والتشكيك، لحالة الصبر وفهم التاريخ واستمرارية الصراع، لحالة الاحتفال بالقوة والتجاوز، لحالة خوض المعارك من جديد".
مع التأكيد على حدة الإلقاء دون أي مرونة، سواء من الراس أو من رابر الصوت اللي دخل على نفس وتيرة الراس دون كسر للطبقة الصوتية الحادة، بغرض التأكيد على إن الموضوع مش هزار وإنها مرحلة التخلص من فكرة الهزيمة.
الألبوم هو خروج من حالة الركود الفني المصاب بيها مشهد الراب والفقر الفني في صناعة الألبومات وخصوصاً الألبومات المعتمدة على فكرة ال concept album و ال storytelling، لكن مهما كان حال العرب موسيقياً، أكيد في فنانين يقدروا يخرجوا بينا من الهزيمة إلى ما بعد الهزيمة و ده اللي قدر يخلقه الراس في آخر أعماله الموسيقية.