أوجاع و حزن وأسى وغدر الدنيا والصحاب ومرات الأب وجوز الأم و ذل الحياة، وأخيرًا الزمن. دي عناصر بتشترك فيها الأغاني الشعبية على مر السنين لحد يومنا هذا، وصولاً للمهرجانات وحتى الراب المصري الحزين.

التعبير عن المشاعر ومنطقية التعبير عنها مرتبط أكتر بالسن، بمعنى آخر، أنت بتتكلم على مشاكل بتواجها في الدنيا، لازم تكون مريت بمراحل عمرية معينة عشان تكون فعلاً عدت عليك أحداث كتير، لكن ده المفترض او الطبيعي، واللي مابيحصلش في مصر. ظاهرة الأطفال اللي بتغني أغاني أوجاع وحزن وأسى، هي ظاهرة كبيرة لقت محبيها ومشجعيها والمدافعين عنها كمان والمنتمين ليها، ده له أسباب استنتاجية وله نتائج طبعًا.

الصوت. صوت الأطفال يعتبر صلصال في إيد الملحن والموزع وطاقم العمل اللي شغال على الأغنية، وأخيرًا شركة الإنتاج. كمان صوت الطفل مش مجرد صوت طفل وبس، ده كمان بيتشاف على إنه آلة موسيقية لها أبعادها التأثيرية في ودان المستمع، زي الكمنجات كده. وصوت الاطفال نقدر نقول إنه صوت طازة أو virgin sound، صوت ناعم ومرن فسهل تشكيله، وبيدي الانطباع اللي أنت عايزه ومتظبط على النوتة الموسيقية بتاعت الحزين من الآخر.

أما حسن الأسمر يغني ويقول:

كتاب حياتى يا عين ما شفت زيه كتاب  

الفرح فى سطرين والباقى كله عذاب

عذاب عذاب عذاب

منطقيًا مقبول جدًا عشان هو راجل وبلغ من العمر ما يكفيه إنه يمر بأحداث كتير، فيحكي عن تجربته بشكل ما. ده معبر أكثر من إني اسمع طفل يغني عن كتاب حياته والفرح فيه سطرين والباقي كله عذاب وهو لسه عنده 13 سنة، وأنا عندي 25 سنة أو أكتر مثلاً.

أما مصطفى حميدة يغني ويقول

كاتب لى إيه يا زمن اقرأ و سمع لي

و قول لي ليه يا زمان الفرح ودعني

و الأهل ظلموني و حبايبي نسيوني

ده مش مقبول بسبب إنه طفل، يعني الكلام ده كدب ماحصلش أو فيه تزييف للحقيقة وفيه تشويه للمنطق، الواقع غير كده بسبب نجاح الأغاني دي وجمهورها الكبير. فكرة رفضي أغاني الأوجاع اللي بتطلع من أطفال، مش لأسباب فنية خالص، بالعكس، هى فنيًا حلوة ومؤدية الغرض، الفكرة في النتائج والأبعاد للنوع ده، خصوصًا مع تطور الأغنية الشعبية.

ازاي استخدام الأطفال في الأغاني الشعبية، هي حاجة شبه تجارة الأطفال أو تقدر تقول سوق لبيع المشاعر للمتلقي أو لمدمني المشاعر الحزينة. يعني مصطفى حميدة وهو طفل كان مشهور وضارب الدنيا في الوقت بتاعه، وده لأسباب معينة، زي إنه تم استغلاله من قبل شركات الإنتاج لبيع المشاعر للناس، على أساس إنها مخدرات صوتية بتعزز مشاعر الحزن والأوجاع للمستمعين.

مصطفى حميدة مش المثل الوحيد في النوعية دي من الأغاني الشعبية، في ضياء اللي كان مكتسح الوقت ساعتها بأغنية "قولت اللي عندي يا زمن". المختلف في ضياء إن واضح جدًا إن أغنية "كتاب حياتي يا عين" لحسن الأسمر، هي السبب في وجود ضياء أو غيره من الأطفال اللي بتغني أغاني شعبي حزين، على نفس منهج كتاب حياتي، اللي هو طريقة الموال على مزيكا هادية تمهيدية، من غير إيقاع أو إيقاع بطئ في بداية الأغنية. كمان اللحن مش حزين، الحزين هنا هو صوت المغني نفسه.

لاحظ إن كمان نفس شركة الإنتاج اللي اسمها "فايف ستارز" ونفس الفرقة الموسيقية اللي كانت مستحوذة على المشهد الشعبي، اللي هي فرقة حمادة أبو اليزيد، هما صناع ألبومات الشعبي في الوقت ده، منها ألبوم ضياء وحسن الأسمر.

أغنية ضياء " قولت اللي عندي يا زمن"

أغنية حسن الأسمر من فيلم "درب الرهبة"

بس ضياء ماقدرش يستمر، لنفس أسباب مصطفى حميدة، وضيف كمان إن الناس جالها حالة تشبع من نوعية الأغاني دي وضيف على الكلام ده التطور اللي حصل في الأغاني الشعبية، من بعد استخدام الاورج بشكل مختلف وتطور التكنولوجيا اللي جاب معاه أصوات جديدة في المشهد الموسيقي.

أغنية ضياء الليلة سنة 2016

الأبعاد والنتائج هي محاولات لتكرار نجاح مصطفى حميدة وضياء

قبل ما ندخل على النتائج والأبعاد، أنا مش ضد غناء الاطفال بس مش مع إن طفل عمره مايعديش 15 سنة يطلع يقولي الدنيا غدارة! نا شايف إن ده إهدار للطاقة السماعية وإهدار للمواهب. الطفل ده بدل ما تأهله  يكون فنان في المستقبل، أنت دفته قبل ما يبدأ وقررت تستغله كسلعة عشان تتاجر بيه وتتاجر بمشاعر الناس.

أغنية للطفل "عمرو الامام"

يعني بدل ما يؤهل نفسه وهو بينهي كاريره في المزيكا بدري، اللي هو المفروض يبدأ في سن معين هو بدأ في سن بدري فطبيعي هيخلص بدري، عشان أي موسيقي أو فنان، له عمر افتراضي وبعد كده خلاص. من غير ما نحط ارقام بس دي سنة الحياة، مش هتاخد زمنك وزمن غيرك. لكن شركات الإنتاج والقنوات هى اللي بتاخد الزمن و تتاجر بيه.

هي مرحلة، الشركة تقدر تعمل بيها فلوس بسرعة وتدور على ضحية غيره تطلع به فلوس من أغاني الأطفال الحزينة، اللي بتعتمد على توليفة معينة في الصناعة، زي أغنية محمد ياسر يتيم أب وأم.



الظاهرة دي امتدت لحد ما وصلت للمهرجانات وده أمر طبيعي جدًا، ماهو المهرجان هو نفسه توليفة ما بين الشعبي والراب. من غير ما ندخل في تفاصيل، بس عندك مثلاً أغنية "مافيش صاحب يتصاحب" فيها 3 أطفال منهم حسن البرنس اللي بيتكلم على "العراك والمطاوي"، اللي لفت انتباهي هنا هو آخر طفل بيقول ايه رغم إنها كلمات "حسن البرنس"

لما اللي منك يجرحك طب قولي مين هيفرحك

بعد اما تتعب ماتلاقيش في الدنيا حاجه تريحك

كنت بعامل الناس بضمير والتقدير خسرني كتير

بس خلاص فهمت اللعبة هلعبها معاكوا على كبير

الظاهرة دي بتتنقل عبر الأجيال في النوع الموسيقي وفروعه، زي ما ظهرت في المهرجانات في أغنية "مفيش صاحب يتصاحب" لحد فريق اسمه "البفة الخماسية" وفكرة إن يكون في طفل في الموضوع.

الفكرة إن الحوت مش بيشبع من البلع طول ما الناس مش واخدة بالها من اللي بتسمعه ومش فاهمة هي بتسمع إيه وليه تسمع حاجة زي كده وإيه البديل. مفيش حاجة بتقول إن محدش عنده أوجاع، بس إيه المزيكا المناسبة اللي تعزز المشاعر دي؟ أكيد مش صوت طفل يغني على كتاب حياته!